1. المقدمة

يمثل التدريب الصيفي خطوة محورية في مسيرة طلبة كلية الإدارة والاقتصاد، حيث يُعد بمثابة الجسر الذي يربط المعرفة النظرية التي يتم تعلمها في القاعات الجامعية بالتطبيق العملي الواقعي داخل مؤسسات الدولة. وبناءً على الخطة التدريبية لهذا العام، تم توزيع الطلبة على مجموعة من الدوائر الرسمية المتنوعة، منها وزارة المالية، الجهاز المركزي للإحصاء، وجهاز التخطيط والتعاون الإنمائي.

هذه الدوائر تمثل أركان الإدارة الحكومية في العراق، إذ تضطلع بدور محوري في بناء السياسات العامة الاقتصادية، وتخطيط الموارد، وتحليل البيانات، وتوزيع الموازنات، وتقدير الأداء العام. ومن هنا تنبع أهمية هذا التقرير الذي يسجل تجربة تدريبية ثرية ومتعددة الجوانب، توضح الفروق والتكامل بين المؤسسات الثلاث، وتسرد بالتفصيل ما تم تعلمه، المهارات التي اكتسبها الطالب، التحديات التي واجهها، والتوصيات المستقبلية لتحسين العملية التدريبية.

2. الأهداف العامة للتدريب

• الاطلاع المباشر على أساليب العمل الإداري والمالي والتخطيطي داخل مؤسسات الدولة.
• تطبيق المعارف النظرية على مواقف حقيقية في بيئة عمل فعلية.
• تعزيز المهارات المهنية، مثل إدارة الوقت، الاتصال الرسمي، والكتابة الإدارية.
• بناء فهم شامل للتكامل بين وظائف الإحصاء، التخطيط، والمالية.
• تحفيز الطالب على التفكير التحليلي النقدي في مواجهة مشكلات إدارية حقيقية.

3. خطة التدريب التفصيلية

1. الأسبوع الأول: وزارة المالية – قسم الموازنة العامة: الاطلاع على مراحل إعداد الموازنة والتعامل مع تقارير الإنفاق العام.
2. الأسبوع الثاني: وزارة المالية – قسم المحاسبة: تحليل العمليات المحاسبية الجارية والختامية ومراجعة الحسابات اليومية.
3. الأسبوع الثالث: جهاز التخطيط: المشاركة في مناقشة مشاريع الخطة الخمسية للدولة، وفهم آليات تقدير الموارد.
4. الأسبوع الرابع: الجهاز المركزي للإحصاء: تدريب على برامج التحليل الإحصائي وإدخال بيانات ميدانية من استبيانات مسحية واقعية.
5. الأسبوع الخامس: دمج الخبرات في مشروع مشترك: إعداد مقترح افتراضي لخطة مالية مصغّرة باستخدام أدوات Excel وPower BI بالتعاون مع المتدربين الآخرين.

4. بيئة العمل والمؤسسات المشاركة

بيئة العمل في الدوائر الثلاث كانت متنوعة وغنية، حيث تمتاز وزارة المالية بالصرامة والروتين الإداري، بينما يتميز جهاز التخطيط بالتحليل والتنظيم الاستراتيجي طويل الأمد، أما الجهاز المركزي للإحصاء فكانت بيئته تقنية بشكل كبير وتعمل على قاعدة بيانات رقمية ضخمة.

كما أبدى بعض الموظفين تعاونًا لافتًا في إرشاد الطلبة، وتم تنظيم محاضرات تعريفية داخلية، وورش قصيرة غير رسمية لتحسين المعرفة لدى المتدربين. إلا أن بعض الأقسام افتقرت إلى وجود هيكل واضح للتدريب، مما جعل الطالب يعتمد على المبادرة الذاتية لاكتساب المعرفة.

5. المهام العملية المنفذة

• تنظيم وثائق الموازنات القطاعية للوزارات الخدمية في وزارة المالية.
• تحليل فروقات الإنفاق الحقيقي مقابل التقديرات المعلنة.
• المشاركة في صياغة مؤشرات الأداء الاقتصادي في جهاز التخطيط.
• إدخال ومعالجة بيانات استبيانات الأسر والبطالة في جهاز الإحصاء.
• تقديم عرض شرائح داخلي لموظفي القسم المالي عن محاكاة موازنة بلدية صغيرة.
• المشاركة في إعداد تقرير تحليلي عن "نسب الإنفاق الاستثماري إلى التشغيلي خلال الربع الثاني من عام 2024".

6. المهارات المكتسبة

ساهم هذا التدريب في تطوير مجموعة من المهارات الفنية والناعمة، وأبرزها:

• القدرة على قراءة وتحليل البيانات المالية.
• إتقان استخدام أدوات Microsoft Excel، وPowerPoint، وSPSS في التحليل والعرض.
• مهارات التواصل الرسمي داخل المؤسسات الحكومية.
• العمل ضمن فرق متعددة التخصصات، وتحت إشراف مباشر.
• التعامل مع ضغط الوقت والمهام المتعددة.
• فهم عميق لمبادئ الموازنة العامة والإدارة الحكومية الحديثة.

7. أثر التدريب على التوجه المهني

لم يكن التدريب مجرد تجربة مؤقتة، بل مثّل نقلة نوعية في تحديد ميولي المهنية. ففي البداية، كنت أميل إلى العمل في المجال المحاسبي، لكن من خلال عملي داخل جهاز التخطيط والإحصاء، وجدت نفسي أكثر انسجامًا مع العمل التحليلي القائم على البيانات والمعلومات. لذلك، قررت التخصص مستقبلاً في تحليل البيانات الاقتصادية، وربما التقديم لدورات احترافية في هذا المجال بعد التخرج.

8. مقارنة بين الدوائر الثلاث

9. التحديات والصعوبات

• عدم توفر خطة تدريب موحدة في بعض الأقسام.
• غياب أجهزة حديثة في بعض المؤسسات أدى إلى بطء في الأداء.
• قلة الدعم التوجيهي للطلبة الجدد، والاعتماد على التعلم الذاتي.
• اختلاف طبيعة العمل بين الدوائر أدى إلى تشتت مؤقت في التركيز.

10. التوصيات

• تصميم برامج تدريب صيفي رسمية داخل الوزارات تشمل أهدافًا واضحة وجدول زمني.
• تخصيص مشرف مباشر من داخل المؤسسة لكل مجموعة طلابية.
• إدخال التكنولوجيا في كل مراحل العمل لتسريع الإنتاجية وتقليل الأخطاء.
• إشراك الطلبة في إعداد وثائق حقيقية (ليست سرية) كمشاريع مصغرة.

11. الخاتمة

التدريب الصيفي الذي قضيته في ثلاث من أهم مؤسسات الدولة العراقية لم يكن مجرد التزام أكاديمي، بل كان محطة عملية غيّرت رؤيتي للتخصص. رأيت عن قرب كيف تُدار الدولة، كيف تُرسم السياسات، وكيف تُبنى الموازنات وتُعالج البيانات. لقد تعلمت الكثير، واكتسبت ما هو أكبر من المهارات؛ اكتسبت نظرة أوسع تجاه وطني ومؤسساته، وأهدافي المهنية كذلك.